يعتبر الأمن النفسي حالة من الإستقرار العاطفي وإشباع الحاجات المختلفة للطفل تؤدي إلى تأقلم وإنسجام الطفل مع البيئة المحيطة به، والتخلص من المشكلات النفسية المختلفة التي تحقق ذلك الانسجام، ومن المثير للغرابة أن الأمن النفسي للطفل يتكون مع بدايات الحمل وحتى قبل ذلك، فالإستعداد النفسي للمرآة الحامل ومشاعر الأم نحو الجنين وكذلك الأب والتفاهم الحاصل بين أفراد الأسرة كلها تؤدي دورا أساسيا في تهيئة الأم وبقية أفراد الأسرة لمستقبل المولود الجديد.
ويعتبر الأمن النفسي والإنفعالي للطفل من الأمور التي من الصعب تحديدها، فقد يكون من السهل على الأم التعرف على الحاجات البيولوجية للطفل بسهولة كالحاجة للنوم أو الطعام، إلا أنه قد يكون من الصعب عليها تمييز مشاعر الخوف والقلق والإرتباك التي تتحكم في نموه النفسي وتحقق له الأمان.
وفي الوقت الذي ينمو فيه الطفل من الناحية الجسمية فهناك نمو متوازي على المستوى النفسي والإنفعالي، فإبداء الطفل لمشاعر الإنزعاج نحو الغرباء، وتخوفه من بعض الأصوات المحيطة هي أحد مظاهر النمو العاطفي، علماً أن وجود الأم وبقية أفراد الأسرة يساعد الطفل على تجاوز هذه المراحل بسلام، وفي الحالات التي يحدث فيها إضطراب كمرض الأم أو الطفل أو إنفصالهما عن بعضهما لفترات طويلة قد يولد عند الطفل مشاعر القلق من الإنفصال.
ويتخذ الطفل من الأم قاعدة من خلالها يكتشف العالم من حوله ثم يعود إليها ليتزود بحنانها وعاطفتها ثم ينطلق مجددا في مرحلته الإستكشافية حتى يزيد من خبرته وتجربته، ولكي تكون الأم مصدر أمان لابد أن تبادر إلى التفاعل مع إبنها وإبداء مشاعر العطف والحنان.
ولعل إضطراب الأجواء الأسرية وعدم إستقرارها هي من أهم أسباب عدم توفر الأمن النفسي للطفل حيث إنفصال الوالدين أو أحدهما لأي سبب كان مثل مرض الأم أو الطفل، أو وجود إعاقة جسدية أو عقلية لدى الطفل أو أحد الوالدين إضافة إلى أساليب تعامل الوالدين غير السليمة مثل الحماية الزائدة، التذبذب وعدم الإستقرار.
وإن المقارنة بين الأخوة أيضاً تضعف إحساسهم بالأمن، حيث يفقد الطفل الثقة بذاته، كذلك عدم المساواة في التعامل بينهم، مما يخلق المشاحنات والبغضاء بينهم، وتظهر مظاهر إنعدام الأمن النفسي عند الطفل حسب عمر الطفل وقدرته على التعبير عن نفسه وقد لا تكون هذه الأعراض ظاهرة دائما، وقد تظهر بشكل أعراض جسدية مثل كثيرة لشكاوي المرضية، ونوبات في البكاء والفزع، إضافة إلى الأحلام المزعجة والكوابيس، ومظاهر أخرى مثل التبول اللاإرادي، وظهور بعض العادات مثل مص الإصبع وقضم الأظافر، والعدوانية وسرعة الإنفعال، والعناد، ورفض الذهاب للمدرسة، والخوف، والقلق، والإنعزال وعدم الإختلاط واللعب مع الأفراد، وضعف المستوى الدراسي.
ومن أجل مساعدة الطفل على تحقيق الأمان النفسي والإنفعالي، نفيد الوالدين بمجموعة من التوجيهات أهمها:
= تحقيق جو أسري ينعم بالألفة والمحبة، وتبادل الإحترام فيه، علماً أن إحترام الوالدين لبعضهما وطريقة تعاملهما مع أبنائهم تنعكس إيجابا على طريقة تعامل الأطفال مع بعضهم البعض.
= توفير الإحتياجات الأساسية للطفل كالغذاء الصحي المتوازن البعيد عن الملونات والمنبهات والمواد الحافظة، والنوم الكافي، واللباس النظيف.
= حماية الأطفال من الصدمات المختلفة، كالشجار على مرأى ومسمع منه، وتعريضه للمخاوف من الحيوانات أو الأفلام أو الألعاب الخطرة.
= الحب غير المشروط للطفل: وذلك بالتعبير عن حين الطفل مهما كانت سلوكياته، فقد نحب أبنائنا في كل وقت ولا يعجبنا تصرفاتهم أحيانا، فلابد من الحب غير المشروط، ومحاولة إثبات الحب له بإهتمامنا بحديثه والإنصات إليه مهما كان كلامه لبناء علاقة قوية معه.
= مشاركته ألعابه وإهتماماته، والحديث عن ذلك معه، وتمثيل بعض اللقطات من قصة القصص المقروءة عليه، ويفضل تخصيص وقت يومي للعب معه أو مشاركته حديثه ولو نصف ساعة يوميا.
= الحرية في التعبير: عدم كبت المشاعر والسماح له بالتعبير بحرية عن إنفعالاته بشكل لا يؤثر سلباً على إحترام الآخرين.
= التعرف على قدرات الطفل وجوانب القوة فيه، وإهتماماته وميوله وتنميتها وتعزيزها، وتسليط الضوء على مكامن القوة قدر الإمكان، دون التركيز على السلبيات.
= إتاحة المجال للطفل لتكوين مجموعة من الصداقات خارج إطار الأسرة، وإعطائه الحق في ممارسة بعض الأنشطة مع أصدقائه مع وجود الإشراف، دون إشعار الطفل بالمتابعة اللصيقة.
= التقليل قدر الإمكان الأوامر والنواهي والتي تجعل الأطفال يشعرون بالملل، وليس معنى ذلك ترك الحبل على الغارب، فخير الأمور الوسط، فالحزم مع المرونة والتسامح وغض الطرف أحيانا والمحبة تحقق التربية الإستقلالية الرائعة والسليمة.
= الإبتعاد عن الأساليب التي تدمر الثقة بالنفس، كمقارنته مع إخوته وأصحابه أو النقد أو التوبيخ أو النعت بنعوت سلبية أو التهديد المستمر أو التخويف المستمر أو الصراخ وعدم وجود لغة حوار هادئ.
الكاتب: أ. روحي عبدات.
المصدر: موقع المستشار.